إن شانئك هو الأبتر

نُشر هذا البيان ، بسبب الرسوم المسيئة لنبينا عليه الصلاة والسلام ، في جانفي 2006 م .

                                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            حبا ودفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                          ﴿ إنّ شانئك هو الأبتر ﴾

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

إنّ الصهيونية الماكرة ، والصليبية الحاقدة ، قد جرّتا العالم الغربي إلى فوهة البركان الذي أثارته ، وأوقدت له الرّسومات المسيئة لشخص النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وإنّ الحضارة الغربية العرجاء ، قد انكسرت عصاها ، وظهر زيف ادّعائها وبطلانه ، وتجلت حقيقة الحريّة والديمقراطية التي تغنّت بها دهرا غير قليل .

حقيقة .. صدمت كل حرّ مؤمن بالمُثل والمبادئ والقيم والأخلاق .

وإنّ هذه الحضارة الخارجة عن الرّوح .. الخالية من كلّ مقدس ، تجرّ البشرية إلى التمايز والتطرف والتصادم والفناء .

للمادة أثر .. وللرّوح حياة .. وشتان بين أثر الحرب والخراب والتدمير .. وبين حياة الإخاء والحبّ والتعمير ..

المادة كتلة .. والرّوح أمل مشعّ .. هذه تثقل الذّات وتهوي بها .. وتلك ترفرف وتطير بها في أرجاء الملكوت .

ربّما كان للإنتصار الكاسح ، الذي حققته حركة حماس في فلسطين بسلاح الديمقراطية ، الأثر السئ ، و الوقع المزلزل ، على القادة في الحركة الصهيونة العالمية ، فتخبّطوا خبط عشواء ، وأرادوا تحويل الأنظار ، فضربوا بسهم طائش ، انقلب وأصابهم في مقتل : 
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ .

ولعل الله أراد بالأمة الإسلامية خيرا ..
ولعله سبحانه قد بعثها من سباتها الذي غابت فيه ..
ولعل محمدا صلى الله عليه وسلم ، سيوحدها ميّتا ، كما أنشأها ورصّ صفوفها وقادها حيّا ..
ولعل الأمر قد جدّ جدّه ، فإنه صلى الله عليه وسلم ، بُعث والسّاعة كهاتين .. وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ..
ولعل هذه الملايين الثائرة ، شرقيّها وغربيّها ، عربيّها و أعجميّها ، قاصيها ودانيها ، عاصيها وملتزمها .. دليل على عودة الرّوح .. وبرهان على صدق الوفاء .. وبذرة غرست ، لتثمر القوة الإسلامية القادمة ..

انقلب السّحر على الساحر .. وإنّ كيدهم لفي نحورهم .. وسيطوقون بما يبيّتون .. ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .

وإذا حدث الذي حدث ، عن تصرف انفعالي طائش .. فماذا عن مؤامرتهم المدروسة بدقة وإحكام ، والمطبوخة في الأفران الهادئة ، والتي غالبا ما تقدم لنا أطباقا شهية ، وأدوية قد دُسّ داخلها السّم الزّعاف .
ماذا عن البرامج التربوية التغريبية ، التي فرضت علينا وعلى أجيالنا ..؟
ماذا عن البرامج الإعلامية القتّالة ، التي تنتهك حرماتنا صباح مساء ..؟
ماذا عن هذا النظام الرّبوي المريع ، الذي مدّ يده و ذيوله في مؤسساتنا البنكية والمصرفية ..؟ وعدّد ما شئت من الإنحرافات و المعاصي ، المبرمجة والمقننة في منظوماتنا المختلفة ...
إننا لم نسئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسب ، بل حاربناه بها وحاربنا الله عز ّو جل ..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾

فهل إلى عودة إلى الله صادقة ، وتوبة نصوح ..؟
وهل إلى نصرة لرسول الله قوية حقة ..؟
وهل إلى وفاء لكل مصلح مجاهد .. وكل بطل شهيد ..؟

لقد آن الأوان لوقفة مع الذات ، واستلهام العبر .. ومراجعة الأفكار والخواطر .. والنظر بعين البصيرة إلى الأمور .. والتأمل في الأحوال و المصائر ..
فقد ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ . 
و ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ .
.. فنحن قوم لا يكتمل إيماننا بالله إلا إذا آمنا بجميع أنبيائه وملائكته وكتبه ، وأن لا نفرق بين أحد من رسله ، ونحن نعتقد جازمين ، أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم ، هو إمام الأنبياء وخاتمهم .. بعثه الله رحمة للعالمين ، بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .. وهو سيد ولد آدم ولا فخر ، و أعظم شخصية عرفتها البشرية عبر كامل العصور .. شهد بذلك كل مفكر عاقل منصف ، شرقيا كان أم غربيا ، عربيا وأعجميا .. ويرحم الله البصيري :
محمد سيد الكونين والثقلينوالفريقين من عرب ومن عجم
وأفصح شوقي رحمه الله :
المصلحون أصابع جمعت يداهي أنت بل أنت اليد البيضاء
لما دعوت الناس لبى عاقلوأصم منك الجاهلين نداء
فرسمت بعدك للعباد حكومةلا سوقة فيها ولا أمراء
الله فوق الخلق فيها وحدهوالناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعةوالأمر شورى والحقوق قضاء
الحرب في حق لديك شريعةومن السموم النافعات دواء
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنىفالكل في حق الحياة سواء
ولأننا نفرق جيدا ، بين المسيحية ديانة ، وبين الصليبية الحاقدة ، التي هي الصورة الكبرى للتيار الصهيوني المدّمر .. فإننا نعتقد ، أن كل مسيحي مؤمن برسالة عيسى عليه السلام ، لا يمكنه بحال ، أن يسئ إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يرضى بذلك ولا يستسيغه .

إننا نستهجن هذا التصرف المخزي ، ونستنكر ونرفض هذا العمل الدنيء ، ونسجل في ذاكرة الغضب السوداء هذا التطاول من الأقزام الماكرة ، التي تحاول أن توقع بين الحضارات الإنسانية ، والأديان السماوية ، وتزرع العداوة والبغضاء بين الناس ، الذين خلقهم الله من ذكر وأنثى ، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ..

ونحن إذ نكبر بأبناء الأمة ، هذه الإنتفاضة المعبرة ، وهذه النصرة التلقائية اللامشروطة لرسولهم الكريم .. فإننا نهيب بهم ، أن يُحَدِّدُوا عدوهم بدقة ، وأن لا ينجَرُّوا إلى ما يريده المتربصون ، وأن يلتزموا الحق والعدل ، والقسطاس المستقيم ، فإنه المنهاج القويم ، والدين الذي ارتضاه الله رب العالمين .. والقدوة والأسوة في كل هذا .. هي للنبي المصطفي المختار ، لا لغيره من المخطئين ، فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

ولقد هزّت النفس ، قشعريرة الفخر والرّضى ، لموافقة حدثت ، لما رأينا بعض المسؤولين في الدولة الجزائرية ، وبأمر من رئيس الجمهورية ، يستعدون لإطلاق مشروع أكبر مسجد في العالم ، بعد الحرمين الشريفين ، وبمنارة تعانق عنان السماء شموخا ومجدا ، وعزة وكرامة ، لتكون بذلك ، بعضا من الرد العملي القاطع الجازم ، على هذه الحملة المسعورة ، وعلى كل الخفافيش التي تحاول عبثا ، التعكير والتشويش ، على أصول هذا الشعب المؤمن ، الأبي المسلم ..
وإذا صدقت النيات والمقاصد ، وتكاثفت الجهود والسواعد ، فإن مشروعا كهذا ، سيفرح الأمة قاطبة ، و سيسعد الجزائريين جميعا ويرفع شأنهم .. لأن بلادهم لن تعرف إلا به ، ولن تنسب إلا إليه .
.. وسيطمئن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره .. لأن الشعب الذي استمات في الدفاع عن أرض الإسلام ، وطرد فرنسا مقهورة مدحورة ، وصاح بالفم الملآن : " محمد مبروك عليك ، الجزائر رجعت ليك " ، مازال حيا يدين بالإسلام ، لم يبدل ولم يغير  ، ثابتا على عهد الله ورسوله ، ماضيا على درب المجاهدين الأطهار والشهداء الأبرار .. رغم المكائد والدسائس .. ورغم الجهل ومن جهل ، والكفر ومن كفر .
و إن هذا المشروع العظيم ، إذا أتمه الله وباركه .. سيكون في ميزان حسنات كل من فكر أو دبّر .. أو شارك في إنجاحه أو عمّر .. 
وبمثل هذه الأعمال الجليلة المباركة .. يغفر الله الذنوب ويمحو السيئآت .. وينظر جل وعلا إلى الأمة ، وهو الرحمن الرحيم ، بعين كلها رأفة ورحمة ، و رضا ومحبة ..

فإلى أمتنا .. حية القلب ..
وإلى شبابنا .. يقظ الضمير ..
كن حيثما تكون .. وفي أي منظمة أو حزب تناضل .. وفي أي موقع وعلى أي ثغر .. لكن .. أصغ دائما وأبدا .. إلى صوت الحق .. ونداء الضمير الحي القادم من أعماقك :
﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا ﴾ .
وردد في كل مرة وفي كل حين :
أبي الإسلام لا أب لي سواهإذا افتخروا بقيس أو تميم
اللهم اغفر لأمة محمد ، اللهم اعف عن امة محمد ، اللهم تب على أمة محمد ، اللهم استر امة محمد ، اللهم اجبر امة محمد ، اللهم فرج عن أمة محمد ، اللهم وحد صفوف أمة محمد ، اللهم قوّ أمة محمد ، اللهم مكّن لأمة محمد ، اللهم ثبت أمة محمد ، واجعلنا من دعائمها وركائزها ، بفضلك ومنّك وكرمك يا رب العالمين .
                                                                                        مدني مزراق